الطاقة العلاجية للتنويم المغناطيسي

علي أسعد وطفة
690 مشاهدات

مقدمة : 

 أعجب سيجموند فرويـد Freud رائد التحليل النفسي بفـن التنويم المغناطيسي الذي تلقن أصولـه عـلى يد الطبيب الفرنسـي المعروف شـاركو (1893 – 1825 Jeun Martin charcot). و   يعـد شـاركو هـذا مـن أبـرز رواد فـن التنويم المغناطيسـي وأكـثرهم اسـتخداما لـه في علاج الأمراض العصبية. وفي فيينـا مارس فرويد Freud التنويم المغناطيسي لبعض الوقت ثم اقلع عـن ذلـك بعـد اكتشـافه لفـن التداعي اللاشعوري وفعاليته في اكتشاف الأمراض النفسية. وقد رفض لاكان Lacan التنويم المغناطيسي فيما بعد وأخـذ ذلـك الاعـتراض بمثابـة قانون حظي باحترام المحللين النفسيين

ولكـن هذه الحالة لم تستمر طويلاً، إذ بدأ التنويم المغناطيسي يسـجل حـضوره الفـاعل فـي مسـرح الحياة الطبية، ويأخذ دوره كأداة علاجيـة هامـة فـي خدمـة علمـاء النفس والأطباء النفسيين والجراحين وأطباء الأسنان. وينـاضل اليـوم عدد من العلماء المفكرين من اجل اسـتجلاء أسرار التنويم المغناطيسي والكشف عن ألغازه. فعلى الرغم مـن الحـضور القـوي لفن التنويم المغناطيسي في مجالات عديدة إلا انه مـازال حـتى الـوقت الحـاضر يشكل منظومة أسرار تستعصي على التفسير والحـل.

 يعـرف الدكتـور جـان كـودان التنـويم المغناطيسـي بأنـه نمط من السـلوك السـيكولوجي يسـتطيع فيـه شخص ما وعن طريق تدخل شخص آخر ان يصل إلى حالة من الشرود، وان ينفصل عن الواقع الذي يحيط به، وذلك مـع اسـتمرار اتصالـه بـالمنٍوم. إن انفصـال المنوم عن الواقع  يقتضـي حالة من الضعف الجسدي وحالة من النشاط السيكولوجي الذي يتيح للفرد السيطرة على جسده نفسيا وذلك بالإبقاء على حيوية الفعاليات النفسية في المستوى اللاشعوري عند الإنسان المنٍوم. لقـد أثارت الفعالية الهائلة التي يمكن للتنويم المغناطيسي أن يؤديها في مجابهة الألم، وحالات الخوف المرضي، والقلق النفسي، وفي قــدرته على وضع المنٍوم في حالة من التخدير الموضعي، أسئلة كثيرة تتحدى طاقات العقل الإنساني وتستعصي على الفهم في مجال علم النفس.

 وتدور اغلب هذه الأسئلة حول العلاقة بين النفس والجسد، كما تدور حـول هـذه القـوة السحرية التي يستخدمها الشخص المنوم في التأثير على الشخص المنٍوم.

 ولم يتوقف أمر التنويم المغناطيسي عند حدود الاهتمامات الفردية إذ بـدأ هـذا اللغـز يقـرع أبواب وعقول المؤسسات العلمية الكبرى، وبدأ يستحوذ على اهتمام مؤسسات الأبحاث والدراسات العلمية.

 يقول الدكتور ليون شيرنوك، الذي كرس حياته العلمية منـذ 1950 لدراسـة مسـألة التنويم المغناطيسي وإخراجه من دائرة النسيان: “إن ظواهر التنويم المغناطيسي مازالت أسرارا لا يمكن الإحاطة بها”. لقد أنفقت الولايـات المتحـدة الأمريكية أموالا طائلـة لتشـجيع الأبحاث

والدراسات المخبرية حول مسألة التنويم المغناطيسي، وهو فن بدأ الآن يدرٍس في مختلف جامعاتها ومعاهدها العلمية.  وقـد أجريت هذه الأبحاث بإشراف المحللين النفسيين وعلماء النفس وعلمـاء الاجتمـاع. لقـد بـادر مركـز الأبحاث والدراسات العلمية في فرنسـا بـإدارة فرانسـوا كوريلسـكي Francois Kourilsy بـالدعوة إلى مؤتمر دولي حول التنويم المغناطيسي، شارك فيه عدد كبير من العلماء والمفكـرين مـن كافـة الفـروع العلمية الذين وصل عددهم إلى أكثر من ستين عالماً وباحثاً يغطون مختلف العلوم الدقيقة والإنسانية.

 وكـان هـدف المؤتمـر دراسـة مسـألة التنويم المغناطيسي وإعداد برنـامج أبحاث ودراسـات علمية جادة لاستجلاء حقيقته، وهتك أسراره، وتحـديد عملياتـه وإجراءاته، وخاصـة مـا يتعلق بالدور الذي يعوٍل عليـه فـي مجال الحياة الطبية، والمعالجة الخاصة ببعض الأمراض، أو دراسـة المظـاهر السـيكولوجية التـي تسـتعصي على الملاحظة الدقيقة. وكـانت الأسئلة تدور حول قدرة التنويم على ضبط دقات القلب، وتنظيم ضغط الدم، والتخدير الموضعي، أو إيقاف الدم عن السيلان الخ.

 وبعـد شـهور عديدة دعت جامعة ايكس نانتير X.Nantair إلى مؤتمر دولي أشرف على تنظيمه البروفسور جان ميشال بيتو Jean Michal Pitot وكـانت هـي المـرة الأولى التـي تدعـوه فيه جامعة فرنسية إلى دراسة التنـويم المغناطيسـي وذلك منذ قرن من الزمن، أي منذ العهد الذهبي للتنـويم المغناطيسـي في عهد شاركو. وتمركزت المحاور الأساسية لذلك المؤتمـر حول توظيفات التنويم المغناطيسي ضد الألم والتخدير ومدى ما يقدمه ذلك الفن من خدمات في مجال الطب النفسي

التنويم المغناطيسي في مواجهة الالم:

حـتى هذه اللحظة لم تنشر أبحاث البرفسور جان كلود ويلير Jean Claud Wiler، رئـيس مخبر فيزيولوجيا الأعصاب في مشفى بيتييٍه ترييرPitie- Trier حـول ظـاهرة التنـويم المغناطيسي. ومع أنه لا يمكن لأبحاثه هذه أن تكشف عن أسرار التنويم المغناطيسي ولكنها هي المرة الأولى التي يبرهن فيها أن التنويم المغناطيسي ليس حالة نفسية فحسب إذ يمكـن قيـاس آثاره العصبية داخل المخابر البيولوجية العصبية، وخاصـة فيمـا يتعلـق بـالتخدير وتخفيف الألم. لقد بينت أبحاثه انه يمكـن فعـلاً للتنـويم المغناطيسـي ان يـؤدي إلى زوال الإحساس بالألم نهائيـاً وذلك في إطار تجربة أجراها على طلاب متطوعين (30 طالباً (أخضعهم للتنـويم المغناطيسي ثم عرّض أقدام الطلاب لصدمات كهربائية وتبين له انهم لا يشعرون بآثار الصدمة الكهربائية.

 وتعـد هذه التجربة من التجارب الكلاسيكية التي تجري على كائنات إنسانية يقظـة. ويفسـر ويلـير هـذه التجربـة بقولـه: ان الإيحاء التخـديري قـد اثر على العلبة السوداء (أي على الدماغ (وخاصة على المنـاطق التـي تمنع وصول الرسالة العصبية للألم. ولكن السؤال هو: ما طبيعـة هـذه المنـاطق؟ وأين توجد هذه المناطق؟ وكيف تتم آليات العمـل؟ وهـي أسئلة لا يستطيع ويلبر ان يجيب عليها حيث يقول إنني لا اعرف شيئا أبدا !.

 فـي إحدى التجـارب التـي أجريت في معهد ايرس Iris اًخضعت إحدى المتطوعـات كـاترين إلى جلسات تنويمية تمهيدية لإجراء عملية خلع احد أضراسها. إذن ما الكلمـات والإشارات التـي يسـتخدمها امانويل بيير Pirres Emanuel وهـو أحد السوسيولوجين المؤسسين لمعهد ايرس بمساعدة  الجـراح المتخصص في مجال طب الأسنان جان كلود مارجيوت Claude Margeot Jean. لقد واجهت كاترين الجلسة على كرسي الدكتور روشارد لوسفيلد وهـو مـدرب على عمليات التنويم المغناطيسي وبدأ الدكتور يردد كلمات وإشارات على أثرها غاب إحساس كاترين بالوخز. وتصف لنا كاترين ذلك قائلـة: “كـنت اسـمع كـل الاصـوات وكـنت اشـعر بالأدوات التي تلامس جـذر الضرس وكنت اشعر بالأداة التي اقتلعت الضرس ولكنني لم أكن اشعر أثناء العمليـة بـأي ألم ولم اشعر به أبدا فيما بعد مضي ساعات ثم أيام على إجراء العملية”.

 إن تخـديرا شـاملاً كهـذا يحتـاج إلى عدد من الجلسات التي تعد الفـرد وتهيئـه لإجراء العمليـة. ويقـال عادة ان ذلك ممكن بالنسبة للجميع، لقد أجريت خمسة عشرة جلسة تنويم لتحضير السيدة سيمون وقد أبـدت السـيدة سـيمون مقاومـة كبـيرة في البداية ولكنها وبعد ثلاثة جلسـات لمـدة سـاعتين في كل جلسة أجريت لها عملية جراحية كاملة في الفك وكانت السيدة سيمون متجاوبة تماماً مع عملية التخدير.

 فـي روان  Rouen، فـي احدى مشافي التوليد الهامة، قام الدكتور ايـف هـالتون Ive Hlfon وهـو عالم نفس يحضر لعمليات توليد بالتنويم وذلـك بالنسـبة للنسـاء اللـواتي يرغبن في ذلك وامام الجمهور. وقد تمـت بعـض الـولادات تحـت تـأثير الابتسـامة ودون ان تشـعر الســيدات المتطوعات بآلام الوضع.

 وقد أجرى طبيب امريكي تجاربه على 86 مريضا وكانت النتائج محيره. يشـير الدكتـور م. (طلـب ان يغفـل اسمه (وهو طبيب نفسي في مشفى لاريبوازيـر Lariboisire، فـي قسـم التخـدير. وجرت العادة على انه يوجه إليه المرضى من النوع الذي سنشرحه لاحقاً. كان الدكتور (د.(، وهـو خـبير فـي مجـال التنـويم المغناطيسي ومتخصص في مجال العظمية. يلتقـي بمرضاه ولم يكن يلفظ كلمة التنويم بل كان يقول للواحد منهم: هـل تحـب ان تمـارس بعـض التمـارين التـي يمكنها ان تساعدك؟ وكانت جلساته تستمر طويلاً. ومثال ذلك: رجل يعاني من آلام الفقرات المزمن وهي آلام مستعصية على أي علاج يقول الطبيب:

أنت جالس أمامي منذ ربع سـاعة هل تتألم كثيراً؟

– يدهش الرجل ويجيب ليس حتى الآن.  

– الدكتور: إذن توجـد هناك لحظات يكون فيها الألم اقل حدة فماذا يفعل المرء في هذه اللحظـات؟

– المـريض: يقـوم بأعمال يرضي فيها رغباته.

– الطبيب مثل مـاذا؟

– المـريض: الصيـد، الاجتماعـات العائليـة، لقـاء الأصدقاء، مداعبة الأطفال .

– الطبيب هذا صحيح.

– ثم يقول المريض: هذه اللحظة لا يوجد الم.

ويعـود الرجل من جديد إلى الجلسة التنويمية دون ان يسمى ذلك. ويصدر صوت الطبيب الهادي قائلا له تحدث بهدوء: بما ان كل شيء هادي وجـميل ومـريح يمكـن لنفسك ان تجد هدوءها وان تعيش لحظات سعيدة من حيـاتك لا اعـرف ما هي؟ المريض: انا استعد لتزويج ابنتي. ويتابع صـوت الطبيـب: أحيانا يمكن لتغيرات عميقة ان تجري داخل أجسادنا. ونحن لا نعتقد بان ذلك ممكن… يمكن ان يحدث لنا تنميل في مكان ما مـن الجسـد لا أعـرف أيـن في الكتفين أو في اليدين، ويمكن لذلك ان يكـون لدينـا إحساسا جـميلاً.

– المريض: اشعر بتنميل في رقبتي “. وبعـد عـدة سـنين أصيب الدكتـور D بالدهشـة للنجاحـات التي حققها دائماً.

وفـي بريطانيـا فـي بريسـتول Bristol استخدم الطبيب وورويل. J Wlorwel  التنـويم المغناطيسـي فـي معالجـة 33 مريض مصابين بأمراض معويـة مثل التهاب الكولون وتشنجاته، وهي إصابات وأمراض تستعصي عـلى العـلاج وذلك بعد سنوات عديدة من الإصابة. وتحت تأثير التنويم المغناطيسـي تحسـنت أحوال 20 منهم، وشفي احد عشر مريضا وقد  زالت عنهم أعراض المرض نهائياً، وذلك كله من غير أية معالجة دوائية.

القدرات الغريبة للطاقة النفسية:

المشـهد في مدينة شير بورك Cherbourg في عيادة الدكتور دومينيك ميلكـي Dominique Miggle حـيث يستلقي الشاب ايرك Iric وهو مظلي في حالـة تنـويم مغناطيسـي، وعينـاه تائهتان. منذ اكثر من شهر والشاب يعـاني من كابوس لا تغاير فيه: إذ يرى نفسه وهو يقفز من الطائرة حيث يلتف حزام المظلة على عنقه حتى الموت. ولم يستطع فيما بعد ان يجرؤ على القفز وكان الخوف يعتريه لمجرد رؤيته لطائرة بعيدة عنه.

 أثناء الجلسـة ينبعث صوت الطبيب قائلا: يمكن لأصبعك الصغيرة ان ترسـم إشارة صغـيرة عندمـا يشتد الحزام على عنقك. ثم يسأله عندما تصبح في الفضاء “هل تستطيع ان تتوقف عن السقوط وكأنك تريد ان تأخذ صـورة؟ ويردد الشاب نعم. ويسأل الطبيب كل شيء هادئ والصمت يخيم مـاذا تـرى خلفك؟ يهمهم الشاب ارى حقولاً وغابات. وبعد قليل يقول الطبيـب “الآن هلى تستطيع ان تشاهد هبوط شخص آخر وكأنه يسقط أمامك عـلى شاشة “؟ وبكلمات ثقيلة يعترف اريك انه يشاهد على جدار الحائط شـخصا آخـر هـو يهبط بهدوء ثم يتوقف ثم يصعد في الهواء. كانت هذه الجلسـة الثالثـة وسـتكون الأخيرة وبعـد ثمانيـة أيام عاود ايريك تمارينه المظلية دون أية مشكله ! هكذا إذن. إذ يمكـن للعـلاج المغناطيسـي ان يكـون أكثر سـرعة أيضا. لقد اعـترف احد الزملاء الذي كان يعمل في إعداد صور تقفز من نقطة محددة في الكون إلى كون آخر لتلفاز 1TF. انه كان يعاني من فوبيا الاماكن العاليـة والطـائرات والمصـاعد الكهربائية والأماكن المغلقة. وكان عليـه ان يتنـاول الحـبوب المنومة في كل مرة يصعد فيها في طائرة. علمـاً بانه لم يسبق له أبدا ان اعترف لاحد بمخاوفه المرضية هذه.

وفي إحدى الأيام وافق على ان يكون احد افراد جماعة عمل حول التنويم المغناطيسـي ويقـول انـه لا يذكـر أبدا انه تحدث عن مشكلته ولا يذكر شـيئاً عمـا دار أثناء جلسة التنويم المغناطيسي. وبعد هذه الجلسات التنويميـه تبيـن لـه انه قد شفي تماما من مخاوفه وأصبح طبيعياً. وان اختفاء مخاوفه هذه بدأ مع تاريخ تنويمه مغناطيسياً .

 لقـد اخـذ الدكتـور ادوارد كولـو Edwarde Colot، المسـؤول عـن عيادة العلاج المغناطيسي في معهد روشفوكلود Rochfoucould على عاتقه إشـفاء مجموعـة مـن المـرضى المتطـوعين من مخاوفهم المرضية. ولقد اسـتطاعت شـارل جوسـلين Charles Joussline السـكرتية العامة لمعهد ايريكـون ان تحـرر احـدى المريضـات مـن مخاوفها الخاصة بالامتحانات الشـفوية الخاصة بالاهلية واستطاعت المريضة ان تحقق نجاحاً متألقاً وهي على درجة عالية من الثقة بالنفس.

 فـي احـد أيام السبت، كان هناك أكثر من عشرين شخصا في عيادة الدكتـور دوميس ميديكا وكان بين هذه المجموعة أطباء واطباء متخصصون. فمـا الـذي دفع هؤلاء لحضور جلسات التنويم المغناطيسي؟ يقول بيير وهـو اختصـاصي فـي الأمراض المعويـة “إنه لمخيب للأمل ان نرى عدداً كبـيراً مـن المصـابين بـأمراض الكولون المزمن والذين يعانون آلاما دائمـاً لا تهـدأ أبدا، وعدداً كبيراً من المصابين بالقرحة المعوية والـذين يعـانون مـن انتكاسـات دائمة والذين يحسدون ويترجمون آلامهم الجسـدية والـذين لا يجـدون حـلاً نهائياً لمشاكلهم. ويقول هنري وهو طبيـب عـام “أن 50 % مـن مرضانـا مصـابون بأمراض نفسـية جسـدية “سـيكوماتك “وعندما تنصح احدهم بمراجعة طبيب نفسي فان الأكثرية ترفض ذلـك. فالتنويم المغناطيسي يخفف ويثير دهشة المرضى حيث لاينظر اليه حتى اليوم بوضعه تدخل لعلاج الأمراض النفسية.

 ويقـال انـه لا توجـد اضطرابـات او أمراض تسـتعصي عـلى التنـويم المغناطيسـي: أمراض القلـب وأمراض الضغـط الشـرياني ذات المنشـأ العصبـي، الربـو فـي ابعـاده السـيكولوجية، الأمراض الجلديــة، والهضميـة، والأمراض الطمثية عند المرأة (خلل الدورة الدموية (، والنزف النسوي الدائم، والتبول اللارادي في الفراش فيما بعد مرحلة النضج، والشلل، والعمى، وأمراض الكلام، الذاكرة الهستيرية.

 ولكـن هـذه المعالجـات لا تتـم بشـكل دائم. والسؤال هنا ما مستوى النجـاح الـذي يمكـن ان يحققـه التنـويم المغناطيسـي؟ وذلــك يلامس المسـألة المشـتركة التـي تعني جميع المعالجين النفسيين: وهو الذي يظهـرون النجاحـات المنفـردة، ويغلقـون أبواب الصمت على الإخفاقات ولا يوافقون على التقهقر في أي حال من الأحوال.

 “عندمـا تنتهـي جلسة التنويم لن تستطيع احتمال التدخين ! في صالـة الـرقص والموسيقى يوجـد هنـاك اسـتعراض مقنـع حـول الإيحاء المغناطيسـي والذي يشير إلى أبعاده النفسية. عندما يستيقظ المنوم يطلـب منـه إشعال سيجاره فيسيطر عليه السعال ويبدي امتعاضاً وفقاً لطبيعـة إيحاءات المنوم، ولكن ذلك لا يستمر غير ساعات او أيام قليلـة فـي الحدود القصوى “وذلك كما يقول الدكتور فرانك سيكس Frank Syx احد المنومين الاستعراضيين. فالأطباء والمحـللين النفسـيين الـذين يمارسـون التنـويم قلمـا يجـازفون ويتعهـدون شـفاء مدمنـا عـلى الكحول: لأن النجاح هنا يكون نـادراً. لقد اعتقد الدكتور كولو Collot انه قد نجح في علاج امرأة شـابة مدمنـة جـداً على المشروبات وذلك منذ سنوات. وبعد خمسة عشر يومـاً وعـلى اثر جلسة واحدة فقط هاتفت المريضة قائلة أنني لم اعد اشـرب ولكنهـا طلبـت الحصول على موعد آخر. وهي في هذه المرة كانت تعاني من اضطراب في الكلام. واعترفت له بأنها أصبحت باردة جنسيا أيضا.

 والحالة هنا تثير الدهشة. فما أن يتم علاج المريض من مرضه، عن طـريق التنـويم، حتى يقع فريسة مرض آخر. “إذ استطعت ان تحرر المريض من ألم مزمن يمكن للألم ان يأخذ مكانه في موضع آخر في الجسد” ذلـك ما يقوله احد علماء النفس. فالألم المزمن شأنه كاي مرض جسدي نفسـي آخـر هو تعبير عن آلام أخلاقية، اضطهادية، أو عن غيرة لا تريد أن تعلن عن نفسها. وذلك هو نداء.

 إن القضـاء عـلى مظهـر مـرضي لا يعـد كافياً، ولذلك فان التنويم المغناطيسـي ليس سـوى بدايـة مرحلـة مـن العمـل الشاق والعميق الخاص بـالمرض. والسـؤال هنا هل يمكن للتنويم المغناطيسي أن يشكل الصيغة المثـلى للتعبـير عـن سـر الطاقـة الروحية وتأثيرها على الجسد؟ ان الايحاءات التي يتلقاها المريض مثل “هذا سيشفيك، وما ينتظره المريض وتعلقـه بـالدعوة الإيمائية تشـكل طاقـة خيالية رهيبة ليس فحسب على المستوى الجسدي النفسي.

التنويم يزيل الثآليل:

 فـي مرحلـة مـا قبـل الحـرب العالميـة الثانيـة، وفــي مستشــفى سـالبيتغيير Salpetrire اعتــاد الدكتــور بيــير مولاريــه molloret Pierre أن يسـتقبل مرضاه الذين اصيبوا بالثآليل مرة واحدة فـي الأسـبوع، وكـان يضـع إحدى بدايـة على الثألول وينظر اليها ما يقـارب مـن خمسة عشرة ثانية ثم يقول للمريض: يجب عليك في كل صباح ان تنظـر بنفسـك إلى الثألول لمـدة خمس دقائق وسيختفي الثألول خلال أسبوعين ولـن يكـون لـه اي اثـر. وكـانت الثآليل تختفي في الوقت المعين.. ومع ذلك فانه لمن المعروف ان الثآليل تعزى إلى وجود بعض الفيروسـات. وعندمـا كانت جلسات التنويم تنتهي كانت الممرضة تعلق لافتته كتب عليها: “لا يوجد تأثير سحري للدكتور هذا الصباح “.

 وانـه لمـن الصعب أن ينسى المرء هذا الحوار البعيد الذي تم مع الدكتـور جاك مونييه رئيس النقابات الطبية الفرنسية، عندما قال: عندمـا كـنت شاباً كان لنا زميل متخصص في مجال الأمراض الجلدية وكان مشـهوراً بنجاحاتـه عـلى مسـتوى الأمراض المصابين بأمراض جلدية وكان يسـتخدم فـي علاجه أشعة x. كنت أرسل له المرضى الذين كانوا يمثلون إلى الشفاء بسرعة كبيرة وذلك بنسبة 90%، وفي إحدى الأيام كنت أتحدث إلى مجموعـة من أطباء الجلد الباريسيين في هذا الشأن فقالوا:”نحن عـلى درايـة بذلك وحاولنا دون ان نحقق نجاحاً “كان سر ذلك يكمن في الإيحاء. وفيما بعد واظبت على إرسال مرضاي إليه ولكن وبدءاً من هذه اللحظـة لم يستطع شفاء سوى 25% وذلك لأنني لم احمل نفس اليقين بقوته على الشفاء وتوقفت عن القول لهم للمرضى “سيشفيك “.

 إن قـدرة الإيحاءات النفسية تتجاوز حدود الخيال، ومن المعروف أن دواءاً مـا لا يبـاع إلا إذا اثبت التجربة فعاليته المطلقة.. لقد أجريت ستة دراسات حديثة في الولايات المتحدة الأمريكية للمقارنة بعد تأثير جرعة من المورفين على خفض آلام الذين خرجوا لتوهم من عمليات جراحيـة مـع تـأثير حقنـة مـن البلاسيبو Placebo. وقـد لوحـظ أن البلاسيبو كان يخفض درجة الألم أكثر من المورفين وذلك بنسبة 56%. إن إعطاء البلاسيبو أمر هام كما يقول فريدريك ايفان في مقالة له عن تأثيره “و البلاسيبو يعد إلى حد ما كمؤثر علاجي بحد ذاته ولذلك فان آثاره وطريقة فعله جديرة بان تكون موضوع دراسة بحد ذاتها.

 لنفـترض من حيث المبدأ أن فعالية تأثير البلاسيبو قريبة إلى حـد مـا من تأثير التنويم المغناطيسي فهو أيضا ليس عدماً. وكلاهمـا ليس لهمـا تفسـيراً: كيف يتم ذلك لا اعرف ! إذ لا يستطيع أي منـوم مغناطيسـي أن يقـول شـيء آخـر عن ذلك. وإزاء التنويم ينبثق تسـاؤلان محوريـان: ماطبيعة التغير الذي يحدث في حالة الوعي والذي ليس نعاسـاً؟ ما الطريقـة التي تؤثر فيها نفس الثانية على الاخرى، او روح المريض على جسده؟ هـل يمكـن ان يـاتي اليـوم الـذي نجد فيه ترجمة بيولوجية عصبية لقـوة الايحـاء؟ كمـا يقـول المحـلل النفسـي اوكتـاف مـاتوني Manonii Octaf “إن تاريخ التنويم يشبه إلى حد كبير حالة المغناطيسية. فنحـن ومنـذ عهد بعيد ندرك خصوصية قطعة المغناطيس دون ان نفهمها. يمكـن ان نشـير اليهـا في المعارض كما هو حال التنويم ومع ذلك فـإن ذلـك يبقـى سـراً واليـوم تحقق الكهربة المغناطيسية انتصاراً وتسيطر على الفيزياء، فهل ذلك هو المصير الذي ينتظر التنويم؟.

مراجع وهوامش

1- غـالي ليون بليفر،”التداوي بالتنويم المغناطيسي”، ترجمة عيسى ، سمعان، دار الحوار، اللاذقيه، 1990.

2- وليـام أوسي، “التنويم المغناطيسي الذاتي “، ترجمة أندريه كاتب، دار الجليل دمشق، 1988.

3- الكسـندر بـولبي، “أسـرار النوم المغناطيسي”، ترجمة أحمد عبد ،العزيز سلامه، عالم المعرفه، عدد 163، الكويت 1992.

4- 285 Jeuan Claude Fillaux، “L’ Incontinent “، que sais-je، nomuro 1984 P.U.F، Paris

 5- Edward T.Hall , La dimension cache “، Point، Seuil، Paris , 1992.

6- Alexandre Pant، “Parapsychologie: Science ou magie؟ “، dans. Science n. 1, 1988

7-، Moscou Encyclopedie: tout lunivers “، vo. 3، Hachett paris, 1981.

 

3 تعليقات

بشاير حمود العازمي 11 ديسمبر، 2020 - 2:14 ص

مقال جميل جدا

الرد
عواطف خالد المياس 12 يونيو، 2021 - 1:48 ص

يمكن أن يدعمنا التنويم المغناطيسي بعدة طرق في مساعدتنا على إجراء تغييرات دائمة إلى مثل على إنقاص الوزن أو الإقلاع عن التدخين.على مر السنين ، كان هناك العديد من المناقشات حول ماهية التنويم المغناطيسي كثيرة حقًا. اتضح أن التنويم المغناطيسي هو حالة ذهنية شائعة جدًا. كل واحد منا يستخدم أو يتعرض لشكل من أشكال التنويم المغناطيسي كل يوم ، سواء أدركنا ذلك أم لا.نحن منومون باستمرار من خلال التسويق والإعلان والتلفزيون وحتى الأفلام. يعمل العقل الباطن مثل الإسفنج العملاق ، يمتص كل شيء من حوله. كل ما يحدث في عقلنا الباطن يؤثر على أفكارنا وسلوكياتنا
نحن نجذب الأشياء باستمرار لأن حياتنا هي انعكاس لأفكارنا اللاواعية. من خلال العمل مع التنويم المغناطيسي ، سنكون قادرين على اختيار ما إذا كانت هذه الأفكار جيدة أم سيئة ، إيجابية أم سلبية ويمكن أن يكون لذلك تأثير مباشر على حياتنا. يمكن تعريف التنويم المغناطيسي بعدة طرق بشكل عام ، يُشار إلى التنويم المغناطيسي على أنه حالة تشبه النشوة ، وتتميز بإمكانية الإيحاء الشديدة والخيال المتزايد والوضوح والتنظيم العقلي .

الرد
مريم صادق سالم 1 يوليو، 2021 - 4:45 ص

التنـويم المغناطيسـي بأنـه نمط من السـلوك السـيكولوجي يسـتطيع فيـه شخص ما وعن طريق تدخل شخص آخر ان يصل إلى حالة من الشرود، وان ينفصل عن الواقع الذي يحيط به، وذلك مـع اسـتمرار اتصالـه بـالمنٍوم. إن انفصـال المنوم عن الواقع يقتضـي حالة من الضعف الجسدي وحالة من النشاط السيكولوجي

الرد

اترك تعليقا

* باستخدام هذا النموذج ، فإنك توافق على تخزين ومعالجة بياناتك بواسطة هذا الموقع.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قراءة المزيد