السياسيات التربوية في الوطن العربي: شعارات قومية وممارسات قطرية

علي أسعد وطفة
142 مشاهدات

شهدت الحياة الثقافية والسياسية العربية، منذ فجر الاستقلال حتى اليوم، تجربة عمل تربوية تتصف بالغنى والشمول سعيا إلى بناء التربية العربية الواحدة، وإلى هدم الحواجز التربوية القطرية التي تهدد الوجود العربي ووحدته الثقافية. ومنذ البداية التي انطلقت فيها هذه التجربة ترتب عليها أن تعاني من جراح الوضع العربي وتمزقاته فبدأت تفقد بريقها وتألقها تدريجيا مع حركة الزمن العربي في مآسيه ومعاناته على شتى الصعد وفي مختلف الميادين.

وتتجسد معاناة هذه التجربة الوحدوية في مجال التعليم، كما في غيرها أيضا، في وضعية القهر العربي المعاصر ، الذي يتمثل في التبعية والتجزئة والتخلف، وهو الثالوث الرهيب الذي غرسه الاستعمار بعناية في تربة الوجود العربي، وما زال يسهر على غرسه هذا، وينميه في كل دورة من دورات الزمن ، وفي كل مناسبة من المناسبات ، وفي كل شبر من الجسد العربي.

لقد عمل الاستعمار الغربي، منذ البدايات، على تعزيز الاتجاهات القطرية في عمق النظرية والممارسة التربوية العربية، وما زال يكرس هذه التوجهات والترعات التربوية الإقليمية في الوطن العربي، ليجهز على آخر ما تبقى من آمال الجماهير العربية وأحلامها في تحقيق الوحدة العربية، التي ما زالت أمل الإنسان العربي وحلمه الوحيد من أجل الوجود، ومن أجل البناء الحضاري، ومن أجل التحرر الشامل من القهر والضعف والاستغلال. لقد غرس الاستعمار الغربي الترعة القطرية في قلب المدرسة العربية، وعمل على ترسيخ هذا الاتجاه سعيا إلى تصفية حركة الإحياء الحضاري والقومي في البلدان العربية. ومن هنا فإن المدرسة العربية ورثت هذه التركة القطرية منذ العهد الاستعماري وهي تركة نموها في ظل الكيانات العربية الصغرى والمحدودة

Educational-policies-2

اترك تعليقا

* باستخدام هذا النموذج ، فإنك توافق على تخزين ومعالجة بياناتك بواسطة هذا الموقع.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قراءة المزيد